هل مثّل الدكتور الموساي آخر محاولات الشرعية لإنعاش العدالة في المناطق المحررة؟ .. تقرير خاص

img

هل مثّل الدكتور الموساي آخر محاولات الشرعية لإنعاش العدالة في المناطق المحررة؟ .. تقرير خاص

هل مثّل الدكتور الموساي آخر محاولات الشرعية لإنعاش العدالة في المناطق المحررة؟ 



في الخامس والعشرين من مايو/ أيار الماضي أصدر رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن قراراً بتعيين القاضي قاهر مصطفى" نائباً عاماً للجمهورية اليمنية، في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات ، رغم كون هذه الخطوة إحدى المحصلات المنطقية لمسار الأحداث في المناطق المحررة من الحوثيين خلال الأعوام القليلة الماضية بحسب مراقبين .


الخطوة توجت مسيرة عام ونصف من الفوضى غير المسبوقة التي افتعلها المجلس الانتقالي داخل مؤسسات السلطة القضائية في العاصمة المؤقتة " عدن"، والتي تصاعدت لمواجهة قرار الرئيس الشرعي السابق " عبده منصور هادي " في يناير/كانون الثاني بتعيين الدكتور " أحمد الموساي" في منصب النائب العام للجمهورية. 


طوال فترة بقائه في المنصب، تعذرعلى النائب العام السابق مزاولة أعماله من العاصمة المؤقتة " عدن" التي يسيطر عليها الانتقالي منذ أغسطس/آب 2019 ،  ولاقى "الموساي"  هجمة شرسة تبناها المجلس  وسخر لها،  إلى جانب أدواته في الحقل القضائي ، وسائله الإعلامية التي أطلقت حملة تحريض ضد الرجل،  ورمته بتهم الفساد حتى قبل أن يتمكن من استلام  ختم النيابة العامة من سلَفه الدكتور " علي الأعوش" الذي عمد إلى عرقلة قرار إقالته لفترة ليست بالقصيرة. 


ولم يكتف النائب العام الأسبق "علي الأعوش" برفض تسليم مفاتيح المكتب لخلَفه ، بل أقدم على إحراق الأرشيف والوثائق في جريمة مروعة أضرت على نحو بالغ بإمكانية تحقيق عدالة انتقالية هي الضامن الأساسي لعبور اليمنيين إلى مستقبل متحرر من المظلوميات التاريخية ، وخيانة فادحة للمسؤولية العامة .



وعلى الرغم من إجازة مجلس القضاء الأعلى للقرار الجمهوري بتعيين " الموساي" نائباً عاماً، فقد أصر ما يُسمى بنادي القضاة الجنوبي ( ذراع الانتقالي في القضاء) على اعتبار القرار "مخالفة دستورية وقانونية" ، وألزم موظفي المؤسسات القضائية بالإضراب تحت قوة السلاح ، وأغلق مكتب النائب العام في "عدن"  ، في محاولة مكشوفة لتدعيم موقف المجلس السياسي  الرافض للقرار بذريعة مخالفته ل " روح اتفاق الرياض" الموقع بينه وبين الحكومة برعاية السعودية نهاية 2019 .



مصادر من داخل السلطة القضائية كشفت عن طبيعة هذا الرفض ودوافعه وأدواته طوال الفترة الماضية ، مؤكدةً أن تعيين "الموساي"  مثل حينها تهديداً حقيقياً للشوط الكبير الذي كان قد قطعه الانتقالي في الهيمنة على السلك القضائي  مستفيداً من النائب العام الأسبق " علي الأعوش " ، ومستغلاً حضوره القوي في اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات حقوق الإنسان .


وتكررت الإشارات طوال العام الماضي والنصف الأول من هذا العام إلى أن عدد من القضاة يقودون شبكة نفوذ واسعة في القضاء ، ويتحكم بها المجلس الانتقالي وعلى رأسهم القاضي صباح علواني التي تشغل عضوية اللجنة الوطنية إلى جانب كونها  محامية للأموال العامة في مكتب النائب العام وكذلك مديرة تنفيذية لما يُسمى ب " نادي القضاة الجنوبي" ، في مخالفة فاضحة للقانون الذي يحظر على أعضاء اللجنة الوطنية مزاولة أي منصب آخر من أجل ضمان الحياد والنزاهة .  



"التشنج الذي واجه به  الانتقالي قرار تعيين " الموساي" حتى تمكن من إزاحته أخيراً ربما يبدو غير قابل للتفسير بالنسبة للمتابع من بعيد ، " قال مصدر قضائي طلب عدم ذكر اسمه وصفته  . " لكن بالنسبة لمن يعرف حال السلطة القضائية والجهود الحثيثة التي يبذلها الانتقالي لتعزيز سيطرته عليها ، فإن كل شيء يصبح معقولاً ولو لم يكن مقبولا." 


وكانت تقارير عدة قد كشفت خلال الأشهر الماضية عن ترقيات بالجملة مخالفة للقانون حدثت داخل مؤسسات القضاء من ضمنها 400 درجة قضائية تم منحها لموظفين إدارايين داخل المؤسسات القضائية ، وذلك بتواطؤ شبكة النفوذ التي تتزعمها الشخصيات الموالية للانتقالي في السلطة القضائية .



واعتبر المصدر أن استجابة رئيس مجلس الرئاسة " رشاد العليمي" لضغط الانتقالي بشأن إقالة " الموساي" وإحلال "مصطفى" مكانه منحت طموحات الانتقالي لإحكام السيطرة على السلطة القضائية في المناطق المحررة دفعة قوية إلى الأمام ، حيث تحول الضغط مؤخراً باتجاه تغيير مجلس القضاء الأعلى بالكامل ليصبح في حوزة المجلس المنادي بالانفصال ، وهو ما لا يُستبعد أن يتم في ظل السيطرة الأمنية والعسكرية للانتقالي على "عدن" .


محاولة حثيثة للإصلاح 


دخل "الموساي"  في سباق مع الزمن لإصلاح ما يمكن إصلاحه في وضع النيابات العامة والمتخصصة والعسكرية في المناطق المحررة بعد أن اضطر إلى إعادة تأسيس مكتب للنائب العام في محافظة " مأرب" ثم تجهيز مكتب مؤقت في "سيئون-حضرموت" وإعداد مشروع باللائحة التنظيمية للمكتب . 



وكان على " الموساي" أيضاً أن يوجه النيابات المختصة في المناطق المحررة للانخراط في جهود الحكومة والبنك المركزي اليمني لضبط شركات ومحلات الصرافة من أجل ضمان انقيادها لسياسة ولوائح البنك ، وذلك لتزامن استلامه لمنصب النائب العام مع انهيار غير مسبوق للعملة الوطنية بفعل المضاربات بالعملة الأجنبية .


وفي هذا السياق تقاطعت طرق النائب العام السابق مع المجلس الانتقالي على نحو تصادمي ، حيث بدا أن المجلس هو المتضرر الأكبر من أي محاولة لتعزيز سلطة البنك على قطاع الصرافة ، وهو ما يفسر عودة الانتقالي لمهاجمة إدارة البنك المركزي في الأيام الأخيرة واتهامها بالسعي لنقل البنك إلى " صنعاء"، وذلك بعد أن ضمن سيطرته  على النيابة العامة من خلال " قاهر مصطفى"،  وضمن أن موقف النيابات لن يكون هو ذاته في مساندة البنك كما كان في عهد النائب العام السابق .


وعمد النائب العام السابق أيضاً إلى إيقاف نزيف موازنة النيابة العامة الذي استمر طوال سنوات الحرب على شكل مرتبات غير مستحقة لموظفين وهميين في النيابة أو غير متواجدين في المناطق المحررة ، وأثمرت هذه الخطوة في توفير 700 مليون ريال يمني في ظل ظرف حرج يستلزم حشد كل ريال واحد من أجل تثبيت سلطة النيابة العامة وترميم جسدها الذي تآكل بفعل الحرب والفساد واستقطابات السياسة .


وفيما يخص اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات حقوق الإنسان ، وهي النقطة الحساسة بالنسبة للانتقالي، فقد رفض مكتب النائب العام السابق مئات الملفات الصادرة عن اللجنة ، والتي تكشّف فيها سعي واضح لسلق القضايا والاحتيال على الضحايا بإلقاء المظالم التي لحقت بهم فوق كيانات سياسية وعسكرية عائمة دون تحديد الجناة بالإسم والصفة في محاولة مكشوفة لتبرئتهم بحسب متابعين .


وظهر على السطح نشاط ملحوظ  للنيابة العامة في محاربة لوبي المخدرات الذي تعاظم دوره خلال الأعوام السابقة ، وذلك من خلال اقتراح مجموعة من التعديلات المتعلقة بقانون المخدرات والمؤثرات العقلية ، وعلى المستوى العملي عبر تشكيل  لجان  ميدانية بالتنسيق مع الجهات الأمنية لإتلاف الكميات المضبوطة من الحشيش والمخدرات في المناطق المحررة ، والتي ظلت محرّزة لفترة طويلة بلا أي مبررات سوا الضغط الذي مارسه اللوبي المذكور على الجهات المختصة أملاً في استعادتها لاحقاً بحسب المصدر القضائي سالف الذكر .


ويبدو أن طموحات " الموساي" الإصلاحية امتدت لتطال ملفات بدا أنها أصبحت في حصانة من المراجعة  لتقادم عهدها ، مثل ملف تصدير الغاز الذي يكتنف جملة من شبهات الفساد والمخالفات القانونية الخطيرة التي ظلت مصدر تأجيج للشارع اليمني على مدى العقود الماضية ، وهو ما مثل فيما يبدو عاملاً حاسماً في حالة تحفيز مساعي الإطاحة به من النيابة العامة .



إعادة النيابة العامة إلى المعركة الأم 


غير أن الجهد الأهم للنيابة العامة خلال العام السابق ومنتصف العام الحالي كما يرى مراقبون هو تلك الخطوات التي هدفت لإدخال النيابة العامة في صلب معركتها الأهم ، وهي تنشيط العدالة - ولو في حدها النظري- في مواجهة الجريمة الحوثية الأم المتمثلة بالانقلاب وجرائمها الجنائية ضد اليمنيين على امتداد أكثر من سبع سنوات .


وأثمر تحريك "الموساي" للدعاوى الجزائية ضد جماعة الحوثي في وصول المحكمة العسكرية في المنطقة العسكرية الثالثة بمأرب إلى حكمٍ انتُظر طويلاً قضى في أغسطس/آب 2021 بتصنيف جماعة الحوثيين منظمة إرهابية وإعدام زعيم الجماعة ومعه (١٧٣) قيادياً آخراً وتجريدهم من أملاكهم وكذلك تجريد الجماعة من سلاحها . 


وأثمر إعداد النيابة العامة لملف متكامل عن جماعة الحوثي ، متحريّةً قواعد مجلس وزراء الداخلية العرب في قبول الأخير للطلب اليمني بإدراج الجماعة في قوائم الإرهاب ، واعتماد الأمانة العامة للمجلس لقرار التصنيف في الاجتماع الأخير الذي انعقد في تونس مطلع مارس/آذار الماضي .



انسحاب دون ضجيج 


وعلى الرغم من أن تعيين النائب العام الجديد قد اشتمل على جميع المآخذ القانونية التي رفعها "القضاة  الجنوبي" في وجه قرار تعيين النائب العام السابق ، فقد سارع الكيان الموالي للانتقالي إلى مباركة القرار ، معتبراً إياه خطوة مهمة في طريق " إصلاح القضاء" ، في مشهد أكد جميع الاتهامات للنادي بالتحيزات السياسية وغياب أي اعتبار لسيادة القانون في تحركاته . 


على العكس من ذلك كانت ردة فعل " الموساي" ، حيث ذهب بدوره لمباركة القرار ،  وأثبت  بذلك ، حسب متابعين ، تصالحه مع نفسه ومع روح القانون الذي جاء لخدمته ، ومع "مصلحة الوطن " التي قال أنها فوق كل اعتبار ، في أول ردة فعل مُعلنة منه على قرار إقالته .


كما مثلت مسارعة الرجل إلى إعادة محتويات مكتب النيابة العامة ، بالإضافة إلى ما يقارب مليار ريال يمني من النفقات المخصصة من قبل النائب العام السابق لموظفين يعملون أساساً في خدمة سلطة الأمر الواقع في صنعاء ، رداً بليغاً على تهم الفساد التي طالته قبل أن يجد طريقه إلى مكتبه